للذين يرحلون عنا بعيداً
م. فواز الحموري
مؤثر هو الفراق والذي يبعد عنا أعزاء قد نشاهد نعيهم على صفحات التواصل الاجتماعي، هكذا بكل بساطة دون وداع واستيعاب أن ذلك حدث بالفعل وانتقالهم إلى دار الحق والسؤال لهم بالرحمة.
حين نتدبر في عدد من فقدنا والراحلين بعيدا عنا، نصاب بالدهشة من سرعة ما يحدث ونتيجة المرض في الوقت الراهن وعلى فراش الموت ولفترة قصيرة نودع عقبها اعزاء ومن جيلنا على وجه الخصوص.
منذ أن تلقيت نبأ وفاة زميلنا المرحوم م. غسان مقدادي وزميلنا المرحوم م. بكر العبادي بعد معاناة من المرض، لم أستطع وبحق الوفاء لمسيرة صحبتنا بكلمة، ولكن نبأ فقدان المرحوم م. محمود أبو غنيمة جعلني اكتب الرثاء دونما تأخير؛ آخر لقاء لي معه، ودعني في مقر النقابة بابتسامته تلك التي لم تغادر محياه، إلى أن تناهى إليَّ خبر مهاجمة المرض له، ولم أستطع سوى مهاتفة ابنه زياد وشقيقه أحمد، كانت نبرة صوتهما تشبه صوت أبو زياد ولكن.
عهدته في الجامعة الأردنية وزاملته وكنا نسعد بما قدمه للمسرح في الجامعة من مساهمات كوميدية بطابع سياسي وما زلت أذكر وحتى الآن جميع ما قدمه من عبارات وتقليد لبعض أعضاء هيئة التدريس وبعض السياسة والخاصة بالقرار 242.
تخرجنا من الجامعة وذهب كل منا إلى الوظيفة وكسب العيش، إلى ان تقاعدنا وتقاسمنا الوقت والذكريات وهم الوطن وضحكات «أبو زياد» وفراسته حين يعلق على أي موضوع ويضيف نكهة خاصة للقاء.
عمل نقابي مخلص وجهد وطني هو رصيد الحبيب محمود أبو غنيمة والذي لم يحسب على أحد؛ كان الصديق للجميع والنقابي النظيف وطاول العنان في مواقفه وصبره وهدوئه وتعامله بحكمة مع الظروف التي مرت على النقابات المهنية.
لم أصادف أحدا بمثل نقاء المرحوم وحبيب الجميع أخي وزميلي محمود أبو غنيمة؛ حينما كان يشعر بالضيق كان يتخذ من المشي سبيلا للتخفيف عن نفسه وكم من مرة صادفته في ضاحية الرشيد وقرب مسجد الروضة يحث الخطى نحو منزله سعيدا باللقاء وقاطع الوعد بالمشي علنا نجتمع مع زملاء في الطريق إلى مشاغلنا.
يرحل الحبيب أبو زياد وقد ترك اجماعا على انه من يملك الفكاهة والجد في آن واحد ومن يحمل الهم الوطني باقتدار وبراعة سلمته من مواقف عديدة، ولكن المرض داهمه على حين غفلة وعلى حين لم نتوقع أن ذلك سوف يحدث لزميلنا الحبيب وخلال فترة قصيرة وسريعة.
رحل محمود أبو غنيمة وفقدنا بوصلة نقابية ووطنية وابتسامة عميقة وذكاء أصيلاً في الأردن والوطن العربي وفي كل ركن حل عليه الزميل الحبيب واشاع بحضوره بريقاً لمن يغادرون بعيدا عنا ويلتحقون بالرفيق الأعلى.
للذين مثل الراحل أبو غنيمة وممن سبقونا إلى الدار الآخرة: ثمة موعد مقدر لكل منا للمغادرة ولكن ثمة أثر طيب لا يخلفه سوى من يجاهد في الحياة الدنيا ويتخذ السبيل القويم في العطاء والبذل.
رحيل الزميل الحبيب على الأردن والجميع المرحوم محمود أبو غنيمة خسارة لا تعوض سوى بإرثه ورصيده مما غرسه فيه والده القيادي من قبل وفي ذرته وذكراه العطرة تفوح في مجالس الوفاء.
رحيل محمود أبو غنيمة حق ولدار الآخرة خير وابقى، رحمك الله واسكنك فسيح جناته وللقاء وعد منا جميعا للوفاء بما قطعته على نفسك من قبل أن نبقى نسير على الدرب ونمشي ما زالت الخطى قادرة على ذلك علنا نصل لما نريد، وداعا أيها الحبيب، وداعا والى اللقاء مع من غادرونا مثلك بعيدا.