أتعبت من بعد يا أبا زياد,,
كان محمود من الذين لا يسبقه أحد في المغرم, بينما يتخلف عند المغنم فيتقدمه الجميع, وكان يتلذذ في تحمل المشاق, وتطرب نفسه للسير في حاجة الآخرين, سواء طلبوا منه المساعدة أم لم يطلبوها منه, إذ يكفي أن يعلم عن حاجة أحد, أو مظلمة له, أو خير مُنع عنه, أو شر يقترب منه, إلا طار إليه طيران الصقر,,
كان فارساً بكل ما تحمله كلمة الفروسية من معاني, وكان يحب أن يعطي أكثر مما يحب أن يأخذ,, بل حتى إن احتاج إلى شيء يخصه هو فإنه لا يطلبه بنفسه, وهو الذي له من العلاقات والأيدي التي تطوق أعناق الكثيرين, فيلجأ لمن يعرف لكي يسعوا له بحاجته, ولكي أكون أكثر دقة, حاجات أهله, أما هو فلا تفرق عنده إن استطاع أن يجلب لنفسه منفعة أم لا, فالدنيا عنده لا تساوي شيء.
تواصل معي ذات مرة بخصوص إبنه الأصغر, وكان بحاجة لدفشة صغيرة للغاية ليحصل على وظيفة أو تدريب في أحد المزارع, ليطلب مني أن أؤدي هذه الخدمة له, وهو الذي طمرني بالخدمات والعون من راسي إلى أخمص قدمي (وسأفرد لبعض هذه الأفضال كلاماً كثيراً) , فقلت له: يا أبا زياد, الذي تريدني أن أتوسط لابنك عنده هو يعرفك أكثر مني, وتمون عليه أكثر مما قد أمون أنا عليه, ثم إن مقامك عند الناس معلوم, والكل يتمنى أن يرد لك الجميل!!
لكنني آثرت أن لا أطيل جدالي معه, كما أنني كنت شغوفاً بأن أسدد له شيء ولو ضئيل من دينه ومعروفه علي,
المهم¸تواصلت مع صاحبنا¸ والذي استغرب هو اخر وقال: محمود يأمر, وليس بحاجة لأن يوسط أحد!!
أنا أعتبر أن محمود قدوة عظيمة, ومثال يمشي على الأرض للشهامة وحب الخير, وها أنا أرفق بعض الصور التي أحتفظ بها, لرحلة نقابية ضمت رؤساء اللجان والشعب النقابية, حيث لم يمنع محمود كونه نقيباً في حينها, ورئيساً لمجلس النقباء , ونائباً لرئيس اتحاد المهندسين الزراعيين العرب, أن يكون خادماً بمعنى الكلمة للحضور؛ يجهز لنا الإفطار, ويقوم بتقطيع الخضراوات, وتوزيع الخبز والأجبان والزيتون في الصحون, ويقدمها لنا, ثم لما بلغ به الجهد والتعب والنعاس مبلغه خلال رحلة العودة, أصابته سنة من النوم على مقعد الحافلة,,
رحمه الله, فقد كان محموداً, ويزيد زياداً بالفضل, وكانت معرفته غنيمة لنا والله.